التنافس الدولي للاستثمار بالبحث والتطوير

10 نوفمبر، 2016  |   البحث العلمي

Investiment Development
معدلات النمو في الانفاق على البحوث مقابل الدخل

أهمية الاستثمار في البحث التطوير

د. عبدالله عيتاني - عالم باحث – مركز التكرير والبتروكيماويات


تشير المؤشرات والتوقعات، التي نشرتها مجلة البحث والتطوير الأمريكية برعاية معهد البحوث الصناعية في عددها لشهر يناير 2016م، إلى زيادة ملحوظة بالاستثمار والتنافس الدولي في البحث والتطوير. وتهدف جهود البحث والتطوير الممنهجة إلى اكتساب المعرفة والتقدم العلمي لابتكار منتجات وعمليات وتقنيات جديدة لاستخدامها وتسويقها للرقي بالبشرية ولتعزيز مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستقبلية.  وتختلف عمليات البحث والتطوير وتكاليفها من صناعة إلى أخرى ومن بلد إلى بلد ومن سنة إلى أخرى. ولقد زادت الدول المتقدمة نسبة ما تنفقه على البحث والتطوير من ناتجها الإجمالي وخاصة في القطاعات الصناعية والمؤسسات الحكومية والأكاديمية. وبات هذا التوجه سائداً في بعض الدول الآسيوية التي ضاعفت إنفاقها على التعليم والبحث والابتكار بكل الوسائل، ويوجد التزام متزايد نحو الاستثمار في البحث والتطوير في أوروبا وآسيا.

أيقنت العديد من الدول أن الاستثمار في البحث والتطوير يشكل عاملاً رئيسياً  للتفوق، وبات هذا  الاستثمار يشكل حجر الزاوية في أي استراتيجية وطنية للتنمية والتنافس العالمي. وبحسب توقعات المجلة، فإن الاستثمارات العالمية  على البحث سوف ترتفع بنسبة 8% بين عامي 2014 و2016م  لتصل إلى 1.95 تريليون دولارفي قيمة تعادل القوة الشرائية (PPP) كما يتوقع أن يصل المتوسط العالمي لنسبة الإنفاق إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.74% بزيادة حوالي 2.4% لنفس الفترة. وتتم مقارنة الإنفاق على البحث والتطوير باستخدام منهجية طورتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وتبنتها منظمة اليونسكو وهو مؤشر قوة التعادل الشرائية Purchasing Power Parity – PPP  وهو يعني قياس ما يمكن شراؤه في بلدين بعملة موحدة. ولمقارنة الصين والولايات المتحدة نفترض بأن متوسط دخل الفرد الصيني ألف دولار سنوياً ومتوسط دخل الأمريكي ألفا دولار مما يعني أن متوسط الدخل للأمريكي ضعف الصيني، لكن باستخدام قوة التعادل الشرائية نقيس ما تستطيع الألف دولار أن تشتريه في كل دولة، فإن افترضنا أن الألف دولار تستطيع شراء جهاز أيفون واحد في الولايات المتحدة بينما تشتري اثنين في الصين، يصبح متوسط الدخل الأمريكي معادلاً للدخل الصيني وليس ضعفه.

في احتسابه للإنفاق على البحث العلمي والتطوير، وهي منهجية طورتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وتبنتها منظمة اليونسكو، لتوحيد منهجيات وأساليب احتساب الإنفاق على البحث العلمي.

ويعود نمو الاستثمارات العالمية في البحث والتطوير بصورة رئيسة لزيادة إنفاق البلدان الآسيوية وخاصة الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية التي باتت تستحوذ على أكثر من 40٪ من إجمالي الإنفاق العالمي على البحث والتطوير مقارنة بأقل من 30٪ لأمريكا الشمالية و20% للدول الأوروبية. وتشير المعلومات إلى أن نمو الاستثمار في أمريكا الشمالية وأوروبا آخذ بالتباطؤ بحيث أصبح لا يتعدى 2-3% سنوياً في حين يتسارع النمو في حصة الصين التي كانت حتى وقت قريب تسجل نمواً يفوق  10% ولكن تراجع إلى أقل من 7٪ في عام 2016م. أما بقية دول العالم (روسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية ودول الشرق الأوسط) فتنفق مجتمعة 8.8٪ من الإجمالي العالمي مع متوسط ​​نمو لا يتجاوز حوالي 1.5% سنوياً.

ويختلف إلى حد كبير حجم ما تنفقه الدول على البحث والتطوير بحسب ما يقدمه الجدول رقم 1 للأعوام الثلاثة الماضية لأكبر عشر دول حول العالم لناحية الإنفاق على البحث والتطوير. وفي هذا الإطار تعتبر الولايات المتحدة أكبر بلد في العالم يستثمر بالبحث والتطوير بحيث استحوذت على ربع إجمالي الإنفاق العالمي أو حوالي 514 مليار دولار في 2016م. ويتم دعم الإنفاق على هذه البرامج البحثية من خلال الصناعة (66٪) والحكومة الاتحادية (25٪) والاستثمارات الأكاديمية وغير الربحية (7٪). وحققت الصين تقدماً كبيراً في مجال الإنفاق على البحث إذ زاد إنفاقها بنحو 5% خلال الأعوام الثلاثة الماضية ليصل إلى حوالي 400 مليار دولار، كما يتوقع أن يتجاوز إنفاق الصين في هذا المجال الإنفاق الأمريكي بحلول العام 2020م.

النمو الاقنصادي

قد يفسر البعض هذه الاستثمارات على أنها نتيجة الفارق في حجم اقتصادات تلك الدول، فالولايات المتحدة ، تتمتع باقتصاد يزيد ناتجه المحلي الإجمالي عن 18.5 تريليون دولار سنوياً، تليها الصين التي تتمتع باقتصاد يزيد حجم ناتجه المحلي عن 20 تريليون دولار ثم اليابان التي يقارب ناتجها المحلي 5 تريليونات دولار. ويعتبر النمو الاقتصادي الدافع الرئيسي لزيادة أنشطة البحث والتطوير حول العالم.  وبحسب توقعات صندوق النقد الدولي (IMF) فإن الناتج المحلي الإجمالي للصين سوف ينمو بحوالي 6.3٪ في عام 2016م ونمو 2.8٪ للولايات المتحدة النسبة وزيادة أقل بكثير للدول الأوروبية. وبالنسبة للهند التي تعد سادس أكبر منفق على البحث والتطوير في العالم فسوف تسجل نمواً  اقتصادياً عند 7.5٪ غير أن ناتجها المحلي الإجمالي أقل بكثير من الصين أو الولايات المتحدة. ويتوقع أن تتجاوز الهند كلا من كوريا الجنوبية (رقم 5) وألمانيا (رقم 4) من حيث إجمالي الاستثمارات البحثية بحلول عام 2018م.

 

الإنفاق على البحث ومصادر التمويل

يقدم الشكل 1 معلومات عن حجم الإنفاق على البحث والتطوير ونسبة الإنفاق إلى الناتج المحلي الاجمالي وعدد العلماء والمهندسين لكل مليون نسمة لعدد من الدول حول العالم. وتأتي كوريا الجنوبية في مقدمة الدول التي تفوق فيها نسبة الإنفاق على البحث 4.0% في حين أن الولايات المتحدة التي تتصدر دول العالم في الإنفاق حققت ما نسبته 2.77% من ناتجها الإجمالي. وكما يشير الجدول رقم 2 ، تعتبر شركات تصنيع السيارات والرعاية الصحية وتقنية المعلومات والإلكترونيات والبرمجيات أكثر الجهات إنفاقاً على البحث والتطوير في العالم. واحتلت شركة فولكس واجن الألمانية وسامسونج الكورية وانتل الأمريكية ومايكروسوفت الأمريكية وشركة روش السويسرية المراتب الأولى عالمياً في الإنفاق على البحث في العام 2015. أما المجالات التي تتركز فيها أعمال البحث والتطوير فتشمل نظم الطاقة المتجددة والتقنية الحيوية والمياه النظيفة  والعمليات المستدامة والنظم الإلكترونية المتكاملة ونظم النقل قليلة التكلفة مثل محركات الدفع الكهربائي بدلاً من الاحتراق الداخلي.

ويعمل الابتكار على تحفيز النمو الاقتصادي في البلدان على اختلاف مراحل تنميتها. وفي هذا الإطار، اختار مؤشر بلومبرغ للابتكار في تصنيفه السنوي للابتكار في خمسين دولة حول العالم كوريا الجنوبية في صدارة التصنيف للسنة الثالثة على التوالي تليها ألمانيا والسويد واليابان وسويسرا وسنغافورة. واحتلت الولايات المتحدة الأميركية المرتبة الثامنة فيما جاءت فرنسا في المرتبة العاشرة والصين في المرتبة 21. وفي تصنيف آخر عن مؤشر الابتكار العالمي للعام 2015 تنشره كل من جامعة كورنيل والمعهد الأوروبي لإدارة الأعمال (الإنسياد) والمنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)، تم تقييم 141 اقتصادا في جميع أنحاء العالم باستخدام 79 مؤشراً لقياس قدراتها الاقتصادية والابتكارية ومخرجاتها. وأتت سويسرا والمملكة المتحدة والسويد وهولندا والولايات المتحدة الأمريكية في الصدارة. أما الشركات الأكثر ابتكاراً في 2015 فتأتي شركة أبل في الصدارة تليها جوجل ثم تيسلا موتورز المتخصصة في صناعة السيارات الكهربائية ومكونات للقطارات الكهربائية وشركة سامسونج وأمازون.

وبالنسبة لتمويل وتنفيذ مشاريع البحث والتطوير، تشير المجلة في إحصاءاتها الى أن قطاع الصناعة هو المصدر الرئيس لتمويل وتنفيذ البحوث بنسة تتراوح بين 45–75% في الدول العشر الأوائل، فيما تمول وتنفذ الحكومة 13–30% ، ويتراوح تنفيذ الجامعات للبحث بين 7% في الصين و14% في الولايات المتحدة و40 % في كندا، بينما تتركز أنشطة البحث في قطاع الصناعة على مشاريع التطوير والبحث التطبيقي، تنفذ الجامعات مشاريع بحث أساسية ممولة بمعظمها من مصادر حكومية.

 

واقع البحث والتطوير في المملكة

شهد البحث والتطوير في المملكة نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة حيث تضاعف الاهتمام الحكومي والشركات الكبيرة وخاصة أرامكو السعودية وسابك في هذا المجال. غير أن إجمالي الإنفاق على البحث والتطوير في المملكة لايزال دون المستوى المطلوب مقارنة مع الاستثمارات العالمية  حيث لم يتعد ما نسبته 0.1% من الناتج المحلي الإجمالي في 2013م كما وصل حجم الإنفاق الحكومي على البحث والتطوير الى 68% من إجمالي الإنفاق على البحث والتطوير في المملكة. ولذلك لابد من تشجيع القطاع الخاص في زيادة استثماراته بالبحث والتطوير لزيادة تنافسيته محلياً وعالمياً.

وخلال السنوات الماضية، شهد عدد من الجامعات في المملكة تحولاً كبيراً في أنشطة البحث والتطوير والابتكار وفي إصدار براءات الاختراع. كما تنوعت مصادر الدعم والتمويل من وزارة التعليم في إنشاء مراكز التميز البحثي ومن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (برنامج معرفة) وعدد من الجهات المستفيدة. وحققت بعض الجامعات إيرادات ذاتية من تسويق التقنيات المطورة والابتكارات. وفي العام 2015م، حققت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن المركز 13 في ترتيب جامعات العالم وفقا لعدد براءات الاختراع المسجّلة بمكتب براءات الاختراع الأمريكي كما تعمل الجامعة حالياً على تسويق أكثر من 115 براءة اختراع للسوق العالمي.