الطاقة الشمسية في منطقة الخليج

24 يناير، 2017  |   البحث العلمي

الطاقة الشمسية
محطة توليد كهرباء بالطاقة الشمسية

نبذة تاريخية

الشمس من أعظم نعم الله علينا. وقد عرف الإنسان منذ أقدم العصور أن الشمس مصدر الحياة والقوة.  ففى مصر القديمة كانوا يرمزون إليها بالإله رع، وفى الدولة الرومانية القديمة كانوا يرمزون إليها بالإله ميترا، وكان سكان أمريكا الجنوبية – خلال مدنيتها القديمة - يضعون المرايا فوق قمم الجبال لتجميع أشعة الشمس وإشعال النيران لإضاءة سفوح الجبال في الليل وتبادل الإشارات الضوئية عبر المسافات البعيدة. واستعمل العالم الأغريقي» أرخميدس» المرايا الحارقة للدفاع عن بلاده ونجح بواسطتها في إحراق أسطول العدو الروماني عندما رأوه يقترب من أسوار سيراكوز. وهذه المرايا التي كشف عنها قد وضعت بشكل خاص لتركيز الأشعة في بؤراتها ثم توجيهها صوب الهدف، وفى القرن السابع عشر الميلادي قام العالم «بوفون» بعمل تجربة أمام لويس الرابع عشر ملك فرنسا فجمع أشعة الشمس المنعكسة من مائة وأربع وأربعين مرآة فى بؤرة واحدة تبعد ستين مترا عن المرايا وكان قد وضع كوما كبيرا من الأخشاب فى هذه البؤرة فأحرقها عن أخرها [1].

وفى عام 1875 اخترع «موشو» ألة بخارية تتكون من غلاية أسطوانية من النحاس طليت باللون الأسود تسع مائة لتر وتحيط بها مرآة معدنية مخروطية الشكل فترفع حرارة الماء إلى درجة الغليان واستعمل البخار فى إدارة آلات صغيرة.

ثم فى عام 1911 أقام العالم الأمريكي «شومان» جهازا لتوليد القوى الشمسية في فيلادلفيا وهو مكون من أحواض معدنية يجرى فيها الماء وقد غطيت بألواح من الزجاج لحفظ الحرارة وثبتت على جوانب الأرض مرايا مستوية. واستطاع الجهاز أن يحول مائتي لتر من الماء إلى بخار في الساعة لكن عاب الجهاز أنه مثبت في مكانه ولا يستطيع متابعة الشمس في حركتها طول النهار وبذلك تقل كفاءته الإنتاجية فى أغلب ساعات النهار وبعد ذلك بعامين أقام جهازا أخر في مصر بالقرب من المعادي بعد أن أدخل عليه بعض التحسينات الطفيفة إذ كانت المرايا الموضوعة على جوانب الأرض مقعرة وتتتبع الشمس في دورانها واستعمل البخار الناتج من هذا الجهاز في إدارة آلات تصل قوتها إلى مائة حصان لرفع مياه النيل وري الأراضي.

ثم انصرفت دول العالم إلى استغلال الوقود الأحفوري واكتشفت القوى البخارية والكهربائية، مرت الأعوام وشهد العالم حروبا استنفذ فيها قواه ومع هبوط رصيده من الفحم والبترول، أخذ يفكر في قلق عن بدائل الطاقة وبذلك اتجهت الأنظار نحو الطاقة الطبيعية الكبرى التي لا تنفد: الطاقة الشمسية[1]. 

الشمس مخزن الطاقة الذي لا ينفد تقدم لنا الشمس مصدراً كبيرا للطاقة يبلغ حجمه 885 مليون تيرا وات في الساعة وهذا حجم ما يصل من طاقة الشمس إلى الأرض سنوياً , وهذا يعادل 6200 قدر الطاقة المستهلكة تجارياً من قبل بني الإنسان في عام 2008 و4200 قدر الطاقة التي يستهلكها بنو الإنسان في عام 2035 وذلك طبقاً لإحصائيات وكالة الطاقة الدولية IEA والخاصة بسيناريوهات الاستهلاك الحالية .

إن معدلات الطاقة السنوية التي نتلقاها من الشمس تتجاوز بمراحل كبيرة إجمالي الطاقة الأحفورية والتقليدية ومواردها بما في ذلك عمليات اندماج اليورانيوم , كما أنه يصغر بجوارها المعدل السنوي لبعض مصادر الطاقة المتجددة الأخرى الناتجة من الشمس مثل عمليات البناء الضوئى فى الكتلة الحيوية أو طاقة المياه أو طاقة الرياح والعنصر الأساسي المفقود  هنا هو الطاقة الحرارية الأرضية والتي تعد مصدراً ضخماً للطاقة المتجددة لا يرتبط بالطاقة الشمسية وهي لا تزال طاقة من الوجهة النظرية ، فحجمها ضخم لكن من المحتمل أن تكون أكثر صعوبة في استخدامها على مستوى كبير من الطاقة الشمسية .

و هناك طريقتان أساسيتان لاستغلال الطاقة من الشمس وهما الحرارة والعملية الكهروضوئية  ويمكن أن يندمجا بعدة وسائل لإنتاج  طاقة مشتركة كالحرارة والكهرباء، و يمكننا أن نميز ما بين إنتاج الحرارة والعملية الكهروضوئية في أربعة مجالات أساسية من التطبيق  وهي الكهرباء الفوتوفولتية وعمليات التسخين والتبريد والطاقة الكهربائية الحرارية من الشمس وتصنيع الوقود الشمسي الذي يصنع في العادة من الهيدروجين وله عدة صور معظمها غازي أو سائل والوقود الشمسي الغازي يمكن أن يشكل هيدروجينا خالصا أو مزيجا من الهيدروجين والميثان CH4 الذي يمكن أن يستخدم لاحقا فى خلايا الوقود أو تسيير السيارات [2].

 

الطاقة الشمسية في المنطقة

أما عن الطاقة الشمسية فى دول مجلس التعاون الخليجي فنجد أنها وفيرة والمنطقة تعرف باسم منطقة الحزام الشمسي حيث تحتوي على كمية كبيرة من الإشعاع الشمسي معظم العام .

ومن هذا الجدول يتضح أن منطقة الخليج العربي تتمتع بكونها من أعلى معدلات الاشعاع الشمسي فى العالم، وبعكس أوروبا فإن الخليج العربي يتمتع بمستويات مستقرة من إشعاع شمسي ورياح، كما إنها متطابقة مع أوقات أحمال الذروة فى الشبكة الكهربائية حيث يكون أقصى طلب على الطاقة الكهربائية عندما يكون الجو حارا نتيجة استخدام المكيفات الكهربائية وهذه الفترة شديدة الحرارة غالبا ما تكون ملازمة لمستوى إشعاع شمسي وحراري عالٍ مما يجعل من توليد الكهرباء باستخدام الخلايا الشمسية والمحطات الشمسية الحرارية خيارا ممتازا للحصول على كهرباء نظيفة وتغذية أحمال الذروة كما هو موضح فى الشكل 3 الذي يوضح توزيع الأحمال عبر أيام العام.

ففى الكويت على سبيل المثال تأخذ أحمال الذروة فترات طويلة تبلغ 1080 ساعة سنويا وتتطلب تكلفة كبيرة لتغذية تلك الأحمال، هذا في الوقت الذي تشكل فيه الكويت والسعودية مكانا ممتازا لمحطات الطاقة الشمسية الحرارية حيث تكلفة وقود توليد الكهرباء تكاد تقترب من الصفر مما يوضح أهمية ومدى التوفير الذي يمكن أن ينتج عن طريق استخدام ذلك النوع من الطاقة النظيفة.

وتشير العديد من الدراسات إلى تكلفة الطاقة الشمسية وبخاصة الخلايا الشمسية بالفعل لديها القدرة على المنافسة مع الكهرباء الناتجة عن حرق البترول. وقدرت الوكالة الدولية للطاقة أن كلا من الشبكات الكهربائية التي تعمل على الخلايا الشمسية أو محطات الطاقة الشمسية الحرارية يمكنها المنافسة مع محطات التوليد التى تعمل على البترول عندما تكون تكلفة برميل البترول 80 دولارا، وتعد الطاقة المتجددة بشكل عام إحدى الطرق لتنويع إقتصاديات المنطقة وإدخال قطاعات صناعية جديدة ومن ثم توفير وظائف للشباب.

 

تحديات الطاقة الشمسية في المنطقة

أما عن تحديات الطاقة الشمسية في منطقة الخليج العربي فهي تتشابه مع دول الشرق الأوسط الأخرى بدرجة تقل أو تزيد فيما بين الدول المختلفة وتلك التحديات تشمل:

 

أنظمة التمويل

على الرغم من أن تكلفة التشغيل لمحطات الطاقة الشمسية تكاد تقترب من الصفر إلا أن التكلفة الإبتدائية لتلك المحطات دائما ما تكون عالية مما يتطلب استثمارات ورأس مال أولي مرتفع، هذا فى الوقت الذى تمر فيه منطقة الخليج العربي بأزمة نتيجة إنخفاض سعر برميل البترول مما أثر بقوة على بعض الدول، مما قد يشكل صعوبات مالية عند إنشاء تلك المحطات الجديدة، لكن يمكن لأنظمة التمويل أن تكون حكومية أو من القطاع الخاص ويمكن لبعض الدول أن تتخفف من حمل تلك التكلفة العالية بفتح المجال للقطاع الخاص للمشاركة فى مثل تلك المشروعات وذلك يتطلب تغييرات تشريعية وقانونية مناسبة.

 

تكلفة الكهرباء المدعمة

تقوم دول الخليج بدعم أسعار الكهرباء للمستهلك، فهو يدفع أقل كثيرا للكيلو واط ساعة مقارنة بتكلفة الإنتاج الحقيقة، والهدف الأساسي من دعم الكهرباء يكون لأغراض إجتماعية كما يساعد على جذب الصناعات الثقيلة كثيفة الاستخدام للطاقة.

سعر التكلفة المدعمة للكهرباء يقلل كثيرا من إمكانية منافسة الطاقة الشمسية للوقود الأحفوري بسبب التكلفة الابتدائية العالية لها والتى لن تظهر فى سعر المستهلك، كما أن المستثمرين من القطاع الخاص لن يمكنهم بيع طاقتهم الشمسية بسبب تكلفتها العالية مقارنة بتكلفة الكهرباء المدعمة، وبالتالى لن يقبل القطاع الخاص على المساهمة فى إنشاء محطات الطاقة الشمسية.

 

البنية التحتية

لابد عند إنشاء محطات جديدة، ضمان نقل تلك الطاقة المولدة للمستهلكين وبالتالى تنشأ التساؤلات عن قدرة محطات المحولات وشبكات النقل الحالية على نقل تلك الطاقة الجديدة، وإذا كان هناك حاجة لإنشاء شبكات نقل جديدة، كيف سيتم تمويل تكلفة الإنشاء، لكن يمكننا أن نقول أن تلك التساؤلات موجودة أيضا فى حالة محطات الكهرباء التقليدية وبالتالى فهى لا تمثل عائقا كبيرا بالنسبة للطاقة المتجددة.

 

التصنيع المحلى

حاليا لا توجد فى منطقة الخليج القدرات التصنيعية اللازمة لعمل المكونات المختلفة لتلك المحطات، وبالتالى فهى قد تسعى لاستيراد التقنية من الدول الأخرى مما قد يرفع التكلفة أيضا، لكن يمكن الحصول على ميزة سعرية بزيادة نسبة الكهرباء المولدة من المحطات الشمسية وبالتالى شراء المكونات أشبه ما يكون بالجملة وبالتالى تخفيض السعر، كما يمكن لدول مجلس التعاون إنشاء مصانع محلية تقوم بتصنيع بعض مكونات المحطات الشمسية محليا مما قد يسهم في خفض تكلفة الإنشاء أكثر كما سيوفر فرص عمل جديدة ويجعل العاملين أكثر قربا من عمليات تصنيع التقنية الحديثة وبالتالي إمكانية تطورهم المهني وتوسعهم في المستقبل.

وفى الختام يعتمد نجاح استخدام الطاقة المتجددة فى منطقة الخليج العربي على قدرة الحكومات على توفير إطار قانونى وتشريعي مناسب لتوصيل المحطات الجديدة بالشبكات الكهربائية ومدى ملاءمة تعريفة الطاقة وسهولة الحصول على التراخيص اللازمة لقيام المستثمر بإنشاء محطة للطاقة المتجددة ، كما يجب الأخذ فى الأعتبار التحديات التقنية الخاصة بقدرة الشبكة الكهربائية واستيعابها للطاقة الجديدة وكذلك مدى توفر العنصر البشري القادر على التعامل مع تقنيات الطاقة الجديدة.  

الطاقة الشمسية في منطقة الخليج

د. محمد علي عبيدو

أستاذ- قسم الهندسة الكهربائية- جامعة الملك فهد للبترول والمعادن

 

سامي فضل

طالب دكتوراة- قسم الهندسة الكهربائية- جامعة الملك فهد للبترول والمعادن