المركبة دراجون إنديفور…. حسم السباق ونصف نجاح محقق

22 يوليو، 2020  |   آفاق

بينما كان العالم ينشغل بفيروس كورونا الجديد أو كوفيد 19 كانت هناك مجموعة من العقول تفكر خارج حدود الأرض وتعمل على وضع رواد فضاء في مركبه تدور حولها. وهذه هي طبيعة الإنسان منذ نشأته أن يفكر خارج حدوده بل وخارج حدود الكون نفسه. وقد يقول قائل ألم يكن من الأجدر أن تنفق هذه الأموال الباهظة على محاولات إيجاد لقاحات لهذا الفيروس؟ والإجابة أن علماء الفضاء يعملون لشهور بل لسنين من أجل تحقيق حلمهم بإنجاح مهمة نقل رواد فضاء إلى المحطة الدولية. ولعل ما حدث في الثلاثين من مايو الماضي يكون فتحا يمكن الإنسان من إجراء تجارب في الفضاء من أجل إيجاد علاجات لمثل هذا الفيروس وغيره مستقبلا.

في الثلاثين من مايو 2020، التحمت مركبة شركة سبيس إكس المعروفة ب دراجون إنديفور مع محطة الفضاء الدولية في الساعة الواحدة مساءً ودقيقتين بتوقيت شرق الولايات المتحدة أو في الساعة الثامنة ودقيقتين مساءً بتوقيت مكة المكرمة. وكان الصاروخ فالكون ٩ قد تم إطلاقه من قاعدة جون كينيدي حاملاً المركبة سبيس دراجون وبداخله رائدا فضاء. وكما هو موضح بالرسم المرفق فقد انفصلت المرحلة الاولى من الصاروخ بعد نفاد وقودها وهبطت إلى الأرض مرة ثانية رأسيا بواسطة إرشاد ديناميكي هوائي.

بانر.jpg
رسم توضيحي لمسار ومراحل مركبة الفضاء دراجون إنديفور (الأبعاد في الرسم غير واقعية وهي للتوضيح فقط)

ولكن ما فائدة رجوع بقايا الصاروخ إلى الأرض مره أخرى خاصة بعد تأثره بالاحتكاك مع طبقات الهواء الجوي عند الهبوط بسرعات عالية؟ هل تنوى الشركة إعادة استخدامه مره أخرى؟ إذا كانت هذه هي الإجابة، فإن الهدف هو هدف اقتصادي بحت وهذا التفكير ليس فقط تفكيرا متوقعاً من شركة تجارية تهدف إلى الربح في المقام الأول ولكن أيضا حلم إعادة استخدام المركبات الأمريكية أسوة بتلك الروسية قد تحقق أخيرا. المذهل حقا هو استعادة جسم الصاروخ بطريقة مغايرة لما كان متبعا مع مكوك الفضاء. حيث كان مكوك الفضاء مصمما للهبوط كطائرة على سطح الأرض. أما هنا، فالصاروخ تم جعله يهبط رأسيا على سطح الأرض في إحياء لفكره قديمة عن الهبوط الرأسي على سطح القمر. بكل تأكيد سيكون لهذه التقنية ما بعدها في مجال رحلات الفضاء المأهولة. وربما يمكن استخدام هذه التقنية في الهبوط على القمر مستقبلا. لا تزال تحتاج التفاصيل التقنية لعملية إنزال جسم الصاروخ على الأرض بسلام إلى المزيد من التوضيح، حيث إنه لم يتم استخدام مظلات للتقليل من السرعة على مراحل متعددة أثناء الهبوط كما حدث في هبوط المركبة غير المأهولة لشركة بوينج. من الواضح أنه تم الاعتماد على محركات دفع ذاتية بالإضافة إلى قوى الديناميكا الهوائية لكي ينزل في موقعه المحدد مسبقا. لا توجد تفاصيل كافية عن كيفية التحكم في هبوط بقايا الصاروخ. هل تم التحكم في الهبوط عن بعد أم كان هناك نظام تحكم ذاتي مستقل على متنه؟

وبعد أن فصلت المرحلة الأولى والثانية أكملت المركبة مسارها لتلحق بمحطة الفضاء الدولية، ثم باستخدام أساليب دفع ذاتية تم الاقتراب من المحطة الدولية ثم تم الالتحام بها. ومن مميزات هذه الرحلة، أنها أتمت الغرض منها أو نصفه بالتحديد حتى الآن بتكلفة لا تقارن برحلات مكوك الفضاء، وهذه أيضا إحدى مميزات وجود شركة تجارية لإطلاق مركبات الفضاء، وأيضا ساهم في هذا استخدام قوى الجذب الطبيعية قدر المستطاع، وبذلك يتم تقليل الوقود وبالتالي تقليل التكلفة.

نجحت إذن المركبة دراجون إنديفور في حسم السباق المحتدم بين شركتى سبيس اكس و بوينج. وحازت سبيس اكس قصب السبق في هذه المنافسة وبتكلفة أقل عما ما حددته بوينج لبرنامجها. ومن المرجح أن تأخذ مركبة شركة بوينج بعض الوقت لإصلاح أعطالها السابقة ولتكون جاهزة لرحلة مأهولة فيما بعد. ولكن هل ستكتفى بوينج بإنجاز ما أنجزته سبيس اكس أم أنها ستقدم منجزات أفضل وتقنية أحدث حتى تميل الكفة إليها مرة أخرى. في انتظار عودة رواد الفضاء إلى الأرض ليكتمل النجاح وتكون أول رحلة فضاء تجارية كاملة. وعودة المركبة برواد الفضاء سالمين هي المرحلة الأصعب والأدق في هذه الرحلة.

مما لا شك فيه أن الرابح من هذه المنافسة هي وكالة ناسا التي أصبح لديها مركبتان لإيصال رواد فضاء إلى المحطة الدولية مما يجعلها تحقق برامجها البحثية في المستقبل وتتفرغ لدراسة الفضاء البعيد وغزو المريخ.

Dr. Ghazy photo.JPG
د.محمد غازي

د.محمد غازي

أستاذ مساعد بهندسة الطيران والفضاء

Mohammed.ghazy@kfupm.edu.sa